ماذا يعني أن تكون محكمٍا؟
يساهم كثير من الباحثين طوعيا كمراجعين ومحكمين في المجلات العلمية المختلفة وذلك ضمن مجال اهتماماتهم البحثية، وهذا دور مهم في نشاط الباحثين.
ولكن هناك من يتردد في الانخراط بهذا النشاط الأكاديمي المهم. ولهؤلاء الذين لم يشقوا طريقهم بعد نحو هذا العمل دعونا نتعرف لماذا يجب أن يكون الباحث محكما أكاديميا؟
لا شك أنك كباحث قد حصلت على ملاحظات اثناء ارسال بحثك للمجلات العلمية المحكمة واستفدت من ملاحظات زملائك المحكمين في إثراء بحثك وتحسينه، وقد جاء دورك الآن لرد الجميل والعمل كمحكم وافادة غيرك من الباحثين.
يتصور كثير من طلاب الماجستير والدكتوراه أن إرسال البحث للمجلة العلمية هو أشبه بإرسال البحث إلى الأستاذ المشرف ويتوقعون من المحكم أن يصحح البحث ويعثر على الأخطاء وقد يضع درجة. ومن ناحية أخرى فأن الباحثين من ذوي الخبرة يرون أن التحكيم يجب أن لا ينطبق عليهم وفقا لهذا المفهوم وهو أن التحكيم ما هو إلا تصحيح للبحث. وهذه التوقعات (أي أن التحكيم هو تصحيحا للبحث) غير صحيحة ،فالتحكيم والذي يطلق عليه بالإنجليزية Reviewer peer يعني مراجعة النظراء، وهذا يعني أن المحكم هو باحث وفي الغالب لا يعرف فيما إذا كنت طالبا أو أستاذا. وبهذا فأن المحكم أو المحكمين للبحث سيضعون ملاحظات قد تكون غابت عن نظر الباحث أو لم يكن يعرفها وكأنها مراجعة بين زملاء، وبكل الأحوال فأن هذه الملاحظات ليست ملزمة إلا ما كان في إطار تصحيح مفاهيم البحث العلمية، وماعدا ذلك فقد تكون فقط وجهة نظر للمحكم والتي قد لا تتفق ووجهة نظر الباحث.
وعندما يعمل الباحث الذي لديه خبرة مناسبة في مجال الأبحاث كمحكم فأنه يمارس نشاط أكاديمي مهم جدا، حيث أنه سيحٌكم بحثا لباحث زميل، وهذا يعني أنه سوف يستفيد في معرفة أشياء كثيرة مثل الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها أي باحث ويتعرف على الأساليب المختلفة في الكتابة ويتطلع على أفكار بحثية جديدة ويكتسب بطريقة غير مباشرة تقوية إمكانياته البحثية وزيادة خبراته ومعلوماته وقدراته على التحليل والفحص العلمي المحايد.
ماذا يعمل المحكم
كل ما يقوم به المحكم هو تقديم ملاحظات على الورقة البحثية، واقتراح تحسينات معينة وتقديم توصية إلى المحرر لقبول أو رفض البحث أو طلب تغييرات على المقالة. وعلى الرغم من أن القرار النهائي يقع دائمًا على المحرر، إلا أن المراجعين يلعبون دورا مهما في تحديد النتيجة وخصوصا أن البحث يخضع لمراجعة أكثر من محكم.
الجديد في توثيق عمل المحكم
العمل كمحكم يتم كاملا بشكل طوعي فلا يحصل المحكم على أي مردود مالي أو معنوي إلا في بعض المجلات التي تضع قائمة بالمحكمين المعتمدين فيها على موقعها الإلكتروني.
والآن ومع ظهور منصة publons -الذي تحدثنا عنه في منشور سابق
- أصبح بإمكان المحكم تسجيل عمله ومراجعته بالموقع فيحسب له كنشاط أكاديمي مميز ومن خلال هذا الموقع يمكن للباحث تطوير مهارته كمحكم بالاطلاع على الدوارات التي تقدم مجانيا. وكما ذكرنا فأن عملية تحكيم ومراجعة الأبحاث عملية طوعية لذا يجب أن يقبل فيها فقط من لديه الوقت والخبرة في كيفية المراجعة وأن يكون موضوع البحث ضمن اهتمامات المحكم البحثية.
لماذا هذا العمل؟
يتردد بعض الباحثين في المشاركة في هذا النشاط الأكاديمي الهام لعدة أسباب؛ فمنهم من يعتقد انه لا يملك الكفاءة المناسبة لتحكيم أبحاث الأخرين ومنهم من يعتقد أنه لا يملك الوقت لهذا العمل ومنهم من لا يفضل هذا العمل لعدم وجود أي مردود مالي والبعض لم يفكر بالموضوع من قبل.
وهنا دعونا نناقش هذه الأسباب، فمن يعتقد أنه لا يملك الكفاءة المناسبة لتحكيم أبحاث الآخرين يجب عليه أن يعلم أن التجربة خير برهان وأن الكفاءة لا تمتلك إلا بالممارسة، كما يجب أن يطمئن بأن البحث المرسل له للتحكيم سوف يرسل لآخرين أيضا لذا فلا داعي للتخوف من أن ملاحظاته هي فقط من ستحدد مصير البحث. أما من يعتقد بأنه لا يملك الوقت لهذا العمل فيجب أن يعرف ان بإمكانه الاعتذار عن المراجعة إذا أرسل في وقت مزدحم بأعمال أخرى، كما يجب أن يعلم ان الوقت المحدد للمراجعة والتحكيم مناسب غالبا ولفترة مقبولة جدا، وعلى أي حال فلن يتم إرسال أبحاث كثيرة فهناك كثير من المحكمين لكل مجلة. وبالنسبة لمن لا يجد أي مردود مالي لهذا العمل فيجب أن يعترف بأنه قد حصل على هذه الخدمة –من قبل - من باحث متطوع والتي نتج عنها نشر أبحاثه لذا عليه أن يرد هذه الخدمة للآخرين. أما من لم يفكر بالموضوع من قبل فنقول له أبدا بالخطوة الأولى.
من اين البداية؟
يمكن أن تبدأ بالبحث في المجلات التي سبق لك ارسال أبحاثك إليها. عند زيارة مواقع هذه المجلات ستجد قائمة بالمحكمين ومنه يمكن أن تعرف هل هناك طلب لمحكمين، عندها أرسل السيرة الذاتية أو قم بتعبئة الفورم المخصص لذلك -إن وجد -وفقا لما هو معمول به في نظام المجلة. وبعدها يمكن أن تستكشف بقية المجلات التي تهتم بنفس مجالك البحثي وتقدم لهم طلب الانضمام لمحكمي المجلة. يمكن ان تختار عدد محدد من المجلات وتنتظر بدء ارسال الأبحاث وسوف تكتشف أنه عمل ممتع ومفيد ويفتح افق جديدة لرؤية ماذا يعمل الآخرين.
كيف تكون محكما جيدا؟
الأمانة في عملية التحكيم ضرورية وتتضمن الأمانة أن لا تقبل بالتحكيم لأي بحث إلا إذا كان لديك المعرفة والخبرة الجيدة بموضوع البحث.كما أن البحث الخاضع للتحكيم بحث غير منشور لذا يجب عدم مناقشة موضوعه مع زملاء أو نقل فكرته للآخرين، وهذا يقع ضمن الأمانة العلمية التي هي أساس التحكيم.
الشفافية مطلوبة ومنها يجب أن لا تتأثر رؤيتك لموضوع البحث إذا كان يناقش من زاوية لا تؤيدها أنت بشكل شخصي فإذا لم تستطع تجاوز احساسك الشخصي بموضوع البحث فعليك الاعتذار عن التحكيم. ويجب أن تعطي للمراجعة وقتا مناسبا وأن تهدف إلى إعطاء ملاحظات للتحسين ولا تتعمد التقليل من قيمة الجهد المبذول بالبحث إلا إذا كان بالفعل ضعيفا ولا يرقى لمستوى البحث العلمي.لا تجعل من عدد الأبحاث التي حكمتها هدفا لك بل احرص على جودة ودقة التحكيم واجعل ملاحظاتك فعلا قيمة.
أعطي البحث وقتا مناسبا وراجعه بوقت مناسب لك حتى لا تتأثر ملاحظاتك بأي ضغط عمل أو انشغال خاص بك. راجع البحث بشكل دقيق واضعا بالاعتبار عدة نقاط منها أن يكون موضوع البحث جديدا ويضيف للمعرفة، أن يكون عنوان البحث مناسبا للمحتوى، مع وضوح مشكلة البحث ومنهجية معالجتها، وصحة الخطوات العلمية وهيكلية البحث العلمي، دقة تحليل البيانات ووضوح عرض النتائج، صحة كتابة الخلاصة، كفاية المراجع وحداثتها وحسن استخدامها في البحث، اللغة المستخدمة من حيث وجود أخطاء طباعة أو إملائية تضعف من عرض البحث.
وعلى أي حال فمما لا شك فيه أن مهارات العمل لديك كمحكم ستتطور وسوف تكتسب أسلوبا خاصا بك في التحكيم ومع زيادة الأبحاث التي حكمتها سيزيد لديك وما عليك إلا البدء لتكتشف مجال جديد من مجالات البحث العلمي.
دكتورة أروى الأرياني
أستاذ مشارك - تكنولوجيا المعلومات
باحث مستقل
Comments