ما هو الوقت؟
الوقت هو أحد أكثر القوى الغامضة في الكون؛ ويلعب دورًا مهمًا في حياتنا ؛ فيساعدنا في تكوين عادة جيدة في ترتيب أنشطتنا اليومية وتنظيمها. إذا فهمت قيمته بشكل أفضل، يمكنك اكتساب الخبرة وتطوير المهارات بمرور الوقت لأنه المورد الأكثر قيمة حيث لا يمكنك استعادته، فمن واجب الشخص العاقل أن يحافظ على الوقت الذي بين يديه وألا يضيعه دون الاستغلال السليم والاستفادة، لذلك يجب أن نتعلم كيفية إدارته واستغلاله. واحترام الوقت وتقديره يبدأ من التزام الشخص بالوقت المحدد للقاء أشخاص، أو حضور فعاليات، أو مواعيد تسليم عمل أو غيرها، إذا أخليت باحترام هذه المواعيد فأنك تؤثر على الآخرين الذين يستقطعون من وقتهم بانتظارك أو انتظار العمل المطلوب.
لماذا الوقت مهم؟
يعتبر الوقت مهم لعدة أسباب منها:
يعمل كمعلم ومعالج : في بعض الأحيان، تكون الطريقة الوحيدة للحصول على نظرة جديدة وصحية لموقف ما هي منحه الوقت.
الوقت هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنك استعادته أبدًا، فبمجرد أن ينقضي ، لن يعود أبدًا.
لا أحد يعرف كم من الوقت لديه، ولكن يعلم أن لديه اللحظة التي يملكها (الحاضر).
كل شيء في الكون مرتبط بالوقت.
هناك ثلاث مراحل زمنية (الماضي، والحاضر، والمستقبل) لكن الوقت الوحيد المتاح لدينا بالفعل هو الحاضر.
الوقت يؤثر على السعادة، منظور الشخص للوقت له تأثير كبير على سعادته وراحة باله .
إتقان إدارة الوقت المتاح لنا أمر ضروري وإدارته بشكل سيء أو جيد له تأثير كبير على الحياة.
تطوير المهارات يعتمد على مقدار الوقت المُستغرق الذي تستثمره ؛ سواءً أكانت تلك المهارة هي ما تحبه أو ما تعتقد أنها الأفضل لمستقبلك.
العلاقات تتم أو تنقطع بسبب مقدار الوقت الذي تستثمره في بنائها ومواصلتها.
كل شخص لديه نفس الـ 24 ساعة في اليوم، لذلك لا يمكن لأحد أن يشتكي من عدم وجود وقت للأشياء التي يريد القيام بها، فقط عليه أن يحسن إدارة الوقت.
وقت الفراغ
"وقت الفراغ " هو الوقت المتوفر للبشر بعد يوم عمل أو دراسة أو انتهاء المهام اليومية، هو الوقت المتوفر في الاجازات الأسبوعية والسنوية وغيرها. وقت الفراغ هو ذلك المصطلح الذي يتحجج البعض بعدم امتلاكه؛ مثل الأب المشغول دائما فلا يقضي وقتا مع أسرته وأطفاله، أو الابن الذي دائما ما يؤجل زيارة أبويه؛ أو الصديق الذي يباعد الوقت بينه وبين أصدقائه، وهكذا كلهم ينتظرون توفر وقت الفراغ؛ ولكن قد لا ينتظر الأبوان ويرحلون قبل توفر وقت الفراغ الذي ينتظره الأبناء لزيارتهم، ويكبر الأطفال دون أن يحظى الأب برفقة طفولتهم، ويبعد الأصدقاء ويخرجون مع مرور الوقت من دائرة الصداقة!!
فما هو وقت الفراغ ؟ وكيف نتحكم فيه؟
في هذا المقالة لن نتحدث عن فئة البشر الذين لديهم الكثير من المهام ولا يجدون الوقت الكافي لأدائها (وقت فراغ)، ولن نتحدث عن من لا يحسن إدارة وقته فينتهي به المطاف إلى الشعور بضغط الوقت والكآبة والتعثر في تلك المهمة أو ذاك العمل، والإخلال بالالتزامات تجاه نفسه وصحته وأهله وأصدقائه.
ولكن على العكس سنتحدث عن من يملك فائض من الوقت، ولكنه لا يحسن استثماره ولا ينجز شيء مما يُفترض عليه إنجازه؛ ولا يؤدي ما عليه عمله تجاه نفسه بالدرجة الأولى. سنتحدث عن "وقت الفراغ" الذي يملكه الجميع حتى الذين يعانون من عدم وجوده في حياتهم كما يتخيلون؛ لأنهم فقط لا يحسنون إدارة وقتهم ؛ سنتحدث عن من أصاب وقت الفراغ بمقتل، من خلال إهداره بعمل "اللاشيء"، ويعتقد أنه سعيد بتلك الاوقات الخالية التي يعيشها وبالمقابل يعتقد البعض الآخر أن حياته مملة جدا لوجود وقت فراغ كبير؛ وان ما يعمله يوميا هو قتل الوقت فقط.
الكثير يعتقدون أنهم لا يملكون وقت فراغ أو هكذا يظنون، بينما منهم من يهدر وقت الفراغ بتلك الواجبات الاجتماعية كالزيارات والأحاديث اليومية المكررة بشكل كبير، أو مشاهدة مسلسلات التي قد تُشاهد لأكثر من مرة، ومنهم من يهدر وقت الفراغ في جلسات يومية مع الأصدقاء تأخذ ساعات وساعات، والبعض يهدر الوقت في تصفح وسائط التواصل الاجتماعي فيتابع منشورات الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء، ويعتقدون أن هذا هو أسلوب الحياة الحديثة وان هكذا الكل يعيش.
إن استغلال الوقت بشكل مثمر يبدأ بتقييم ما تعمله؛ أو ما أنت معتاد على عمله خلال وقت الفراغ ؛ ومن ثم تقييم الفائدة العائدة عليك من تلك الأنشطة التي تقوم بها، وهل تستحق كل ذلك الوقت؟ وهل يمكن لك التخلص من بعض تلك الالتزامات لتنويع أنشطتك خلال وقت الفراغ؟
كيف نستغل وقت الفراغ؟
وبعدها يأتي السؤال "ماذا تريد أن تعمل في هذا الوقت الذي يسمى "وقت الفراغ"؟
الوقت من أكبر النعم التي وهبنا الله، نعمة متواصلة ومستمرة طالما ونحن نعيش؛ ولكنها نعمة تستنفذ ولا يمكن تعويض ما فات منها، ؛ أوجده الله لنا لنعمر ونبني هذه الأرض وفي نهاية المشوار سنقف أمام الله لنتحاسب كيف قضينا وقتنا على الارض. ووقت الفراغ أيضا نعمة ويمتلكه الجميع؛ وإن لم يدركوا ذلك؛ فهو ذلك الوقت الذي يعطي توقف وراحة من العمل اليومي (عمل أو دراسة أو مسئوليات). أهم نصيحة لاستثمار وقت الفراغ هو أن تتعلم قول "لا" لتلك الأنشطة التي تجرك وتهدر وقتك، ان تقول "لا" لذلك التكاسل الذي يسحب الوقت امامك، ويجب أن تبدأ بإدراك نعمة الوقت ونعمة الصحة ونعمة العقل؛ فهذه هي طريق النجاح في خلق حياة متوازنة بين العمل ومتعة وقت الفراغ.
هنا بعض المهام لاستغلال وقت الفراغ ؛ مع العلم أننا لن نقوم بها جميعا في وقت واحد؛ ولكن سنوزعها على أوقات فراغنا بشكل عادل ومفيد :
الاستقطاع منه للاهتمام بصحتنا ؛ فنقوم بممارسة الرياضة والمشي لمسافات وغيرها مما يفيد الصحة.
نستقطع منه وقتا لأداء مسؤولياتنا، فنخصص وقت لقضائه بصحبة الأسرة أو زيارة الأبوين أو لقاء الأصدقاء أو بعض الواجبات الاجتماعية المهمة.
نستقطع منه لتطوير ذاتنا ؛ فنخصص وقت لقراءة كتب في التنمية الذاتية أو حضور دورات ولقاءات في تطوير ذواتنا.
نستقطع منه لتطوير عملنا ؛ فنقرأ الكتب الخاصة بالتنمية المهنية ؛ ونلتحق بالدوارات التي سترفع إمكانياتنا العملية ، أو نختار دورات في مجال مختلف إذا كان طموحنا تغيير مجال العمل.
نستقطع منه لمتعتنا ؛فنمارس الهوايات التي نسيناها في زحمة العمل ؛أو الهوايات التي لم تجد وقتا للتنفس وإظهار نفسها.
نستقطع منه لثقافتنا، فنقرأ مواضيع الساعة المختلفة ؛وننوع قراءاتنا في الكتب الدينية والسياسية والعلمية والاجتماعية.
وبالطبع سيكون هناك وقت لمشاهدة البرامج والمسلسلات وتصفح الانترنت ووسائط التواصل الاجتماعي والمشاركة فيها.
أنواع وقت الفراغ
ويمكن لوقت الفراغ أن يكون طويلا غير محدد في الكثير من الحالات في حياة بعض الناس، مثلا عند البحث عن عمل أو جامعة لإكمال الدراسة، علينا أن لا نقع في فخ الانتظار، ويجب أن نخصص وقتا للبحث عن العمل أو الجامعة؛ ووقتا لعمل أشياء أخرى حتى لا نقع فريسة للاكتئاب والإحباط ؛ ونحتفظ بنفسية جيدة تساعدنا على رؤية الأمور بشكل أفضل.
كما يمكن لوقت الفراغ أن يكون طويلا ومحدد كالإجازات الصيفية مثلا؛ والتي يعتبرها الطلاب والعاملون في هذا القطاع وقتا يجب إهداره، ولكن مرة أخرى يجب استغلال وقت الفراغ هذا بعمل أشياء كثيرة مفيدة، وتتضمن الراحة والمتعة معا؛ مثل تعلم نشاط رياضي جديد (تسلق الجبال، السباحة، العاب الكرة المتنوعة، الخ) أو نشاط فني (تعلم الرسم، الموسيقى، التطريز، الخياطة، الخ) أو السفر (للتعرف على المحافظات والمدن المختلفة أو السفر خارج القطر إذا توفرت الإمكانية)، وهذا ينطبق على أوقات فراغ الأطفال، فعلينا تعليمهم نعمة الوقت وهبة وقت الفراغ.
يجب على الطلبة عند الانتهاء من المدرسة وانتظار النتائج تخصيص جزءً من هذا الوقت بما يعود عليهم بالنفع والفائدة؛ وحتى يكتسبوا عادات إيجابية تساعدهم في حياتهم ومستقبلهم، ولا للانتظار فالانتظار غول يلتهم الوقت ويعودنا على عمل "اللاشيء".
وقد يكون وقت الفراغ طويلا وممتدا عند الأشخاص الذين يتقاعدون؛ فيحاول البعض قتل وقت الفراغ بلقاءات واجتماعات مملة، أو الدخول في حالة اكتئاب بينما ما يملكونه في الواقع هو "نعمة وقت متجدد" لعمل ما لم يمكنَهم عمرهم الماضي من عمله، فمثلا استثمار وقت الفراغ في العطاء كلا حسب مجال خبرته، وممارسة الرياضة والهويات القديمة، أو التطوع في المجالات الإنسانية وفي دور الأيتام أو العجزة، وغيرها من الأنشطة التي قد تفتح حياة خيرة جديدة في حياتهم بدلا من قتل وقت الفراغ.
ومثال آخر لوقت الفراغ الممتد عند الأمهات المتفرغات لشئون البيت اللاتي شبّ أولادهن ورحلوا من العش؛ ووجدن أنفسهن في دائرة وقت الفراغ غير المعتاد عندهن؛ أيضا عليهن البحث في مجتمعاتهن عن فرص التطوع أو ممارسة هوايات قديمة أو عمل مشاريع خاصة صغيرة يمكن لهن الاستفادة منها واستثمار وقت الفراغ.
الخلاصة
وهكذا إذا آمنا أن الوقت نعمة و كنز لا يصح بعثرته بما لا ينمو ولا يفيد وحرقه في ما يخل باحترام الوقت ؛ وأن "وقت الفراغ" هدية ؛ فأننا سنستطيع من خلاله إعطاء أنفسنا راحة من روتين الحياة، وممارستها بطريقة مختلفة تحفظ لنا التوازن المطلوب في الحياة.
دكتورة أروى يحيى الإرياني
أستاذ مشارك - تكنولوجيا المعلومات
باحث ومستشار أكاديمي
أضغط هنا "Dr. Arwa Aleryani-Blog " لتسجيل متابعة، حتى يصلك الجديد من المدونة الأكاديمية.
Comments