في حياتنا اليومية، نميل جميعًا إلى البحث عن الأماكن والأنشطة التي تمنحنا شعورًا بالراحة والأمان. هذه الحالة التي تُعرف بـ "منطقة الراحة " (Comfort Zone) توفر لنا استقرارًا نفسيًا يساعدنا على التركيز والقيام بمهامنا بكفاءة. لكن هل فكرت يومًا كيف يمكن لهذه المنطقة أن تتحول من ملاذ آمن إلى حاجز يعيق تطورك ونموك الشخصي؟
ما هي منطقة الراحة؟
منطقة الراحة هي الحالة التي نشعر فيها بالسيطرة والطمأنينة، حيث نمارس أنشطة مألوفة ولا نواجه فيها أي ضغوط أو تحديات غير متوقعة. على سبيل المثال، الوظيفة التي نؤديها بشكل يومي دون حاجة لتعلم جديد أو المخاطرة، أو البقاء في دائرة اجتماعية محدودة بدافع الألفة والراحة. وعادة ما نجد تبريرات لتفضيلاتنا المحدودة وان لا جدوى من المخاطرات ولا داعي لها، وقد ننتقد الأشخاص الطموحين ويداخلنا أحساس بالذكاء إذا فشل البعض أو أصابهم انكسار نتيجة تجربة غير موفقة، ونتعبر أننا جنبنا أنفسنا تلك الوقائع.
فوائد منطقة الراحة
لا يمكن إنكار أن منطقة الراحة تحمل العديد من الفوائد، خاصة في فترات التوتر أو الأوقات التي نحتاج فيها إلى استقرار نفسي، ومنها:
الشعور بالأمان حيث تمنحنا منطقة الراحة بيئة خالية من المخاطر والتوتر.
زيادة الإنتاجية في الروتين اليومي بالاعتماد على مهارات وخبرات مألوفة تساعدنا على أداء المهام بكفاءة ودون مخاطرة ودون تحديث أو تطوير.
أضرار البقاء داخل منطقة الراحة لفترات طويلة
رغم الفوائد التي تقدمها منطقة الراحة، إلا أن البقاء فيها لفترة طويلة قد يسبب العديد من الأضرار، منها:
الركود الشخصي والمهني وذلك بسبب عدم مواجهة تحديات جديدة والتي قد يؤدي إلى تراجع في مهاراتك وقدراتك وتقادم معارفك وعدم تقبلك للجديد وعدم قدرتك على التعلم منه.
الحد من الإبداع والتطور لان التمسك بالروتين والخوف من استكشاف أفكار جديدة أو تعلم مهارات مختلفة يسبب ضمور للإبداع والابتكار الموجودة لدى كل انسان.
تأثير سلبي على الصحة النفسية على المدى الطويل، حيث قد يؤدي الشعور بالركود إلى الملل أو الإحباط والشعور بالغربة في عالم يقدم الجديد كل يوم.
ما هي العلامات أنك عالق في منطقة الراحة؟
تجنب التجارب أو الفرص الجديدة والتبرير الدائم لعدم المجازفة وقبول التحديات .
الخوف من الفشل أو التغيير.
تكرار نفس الأنشطة يوميًا دون شعور بالإنجاز.
السخرية من تعثر الأخرين والارتياح لإنك في منطقة الراحة.
انتقاد محاولات الأخرين وانتقاص تجاربهم والتركيز على أخطاهم بدلا من تقدير محاولاتهم.
الشعور بعدم جدوى المخاطرة وتفضيل المعتاد والمألوف.
كيف تتجاوز منطقة الراحة؟
ابدأ بخطوات صغيرة لا حاجة لتغيير جذري، جرب شيئًا بسيطًا مثل تعلم مهارة جديدة أو التواصل مع أشخاص جدد أو شارك بنشاط ترغب بعمله.
تقبل الفشل (إذا حدث)، اعتبره جزءًا طبيعيًا من رحلة التعلم والتطور ووضع محتمل للتجربة.
ضع أهدافًا تدريجية وحاول تقسيم التحديات الكبيرة إلى أهداف صغيرة قابلة للتحقيق وحاول تجاوزها واحدة إثر الأخرى.
استلهم من الآخرين من خلال قراءة قصص أشخاص خرجوا من منطقة الراحة وحققوا نجاحات ملهمة واستلهم منهم حافز.
أبحث عن ما سيحفزك للتجربة، عمل تتمنى مزاولته وتشعر بالتخوف، دورة تدريبية ترغب بحضورها وتتكاسل عنها.
التوازن بين الراحة والتحدي
لا يعني الخروج من منطقة الراحة التخلي عنها تمامًا. فبينما يعتبر التحدي ضروريًا للنمو، فإن العودة لمنطقة الراحة بين الحين والآخر تتيح لك إعادة شحن طاقتك واستعادة التوازن، تبقى موجودة، فلا داعي لان تنقلب حياتك رأسا على عقب، يمكن ان تخوض تجارب تستحق وبنفس الوقت لا تبعدك كثير عن الشعور بالراحة والأمان، على الأقل في المرحلة الأولى لمحاولة التغيير والخروج من منطقة الراحة.
الخلاصة
لقد وهبنا الله الحياة وسخر لنا العديد من الفرص والإمكانات، فما أجمل أن نسير فيها بخطى واثقة، نجرب ونتعلم، نؤثر ونتأثر. أن نخوض تجارب الحياة المتنوعة، نستكشف الأماكن من حولنا، ونتعرف على أشخاص جدد يضيفون لرحلتنا. أن ننخرط في مهن مختلفة، نواجه التحديات بشجاعة، نضع أهدافًا واضحة ونسعى لتحقيقها بإصرار. هكذا نحيا حياة مليئة بالإنجازات، نترك بصمة تروي قصتنا وتؤكد أننا كنا هنا.
منطقة الراحة ليست عدوًا يجب التخلص منه، وليس الصديق الذي لا نستطيع العيش دونه، بل هي مساحة نحتاج إليها بين الحين والآخر. لكن المهم هو ألا نسمح لها بأن تصبح قيدًا يحد من طموحاتنا. اسأل نفسك اليوم: "ما هو التحدي الصغير الذي يمكن لي خوضه اليوم؟"، لتخرج خطوة واحدة من منطقة راحتك، ربما تكون هذه الخطوة بداية رحلة جديدة نحو تحقيق أهدافك.
أسئلة للتفكير بمناسبة العام 2025 (ويمكنك مشاركتنا هنا من خلال الملاحظات)
ما هي منطقة الراحة بالنسبة لك؟
ما هو التحدي الذي تخشى مواجهته؟
متى كانت آخر مرة تحديت فيها نفسك؟
ما هو أول تحدٍ صغير يمكنك خوضه اليوم أو في الأيام القليلة القادمة؟
دكتورة أروى يحيى الأرياني
أستاذ مشارك - تكنولوجيا المعلومات
باحث ومستشار أكاديمي
" لتسجيل متابعة، حتى يصلك الجديد من المدونة الأكاديمية أضغط هنا Dr. Arwa Aleryani-Blog
Comments