تحليل البيانات في الأبحاث العلمية هو عملية جمع وتنظيم وفحص البيانات بهدف استخراج معلومات هادفة تساعد في تفسير النتائج والإجابة عن الأسئلة البحثية. يتضمن استخدام تقنيات إحصائية وبرمجيات متخصصة لتحديد الأنماط والعلاقات داخل البيانات، مما يمكن الباحثين من الوصول إلى استنتاجات مبنية على الأدلة كما ساعدت تطبيقات الذكاء الاصطناعي على تجويد وتسريع تحليل البيانات وتفسير نتائج الأبحاث العلمية بشكل ذكي وابداعي. في هذه المقالة سنركز على تحليل البيانات باستخدام نماذج وخوارزميات تعلم الألة، الشبكات العصبية، معالجة اللغة الطبيعية ورؤية الحاسوب.
أدوات تحليل البيانات في الأبحاث العلمية
تحليل البيانات باستخدام نماذج تعلم الآلة (Machine Learning)
هناك العديد من المواقع والمنصات التي توفر بيانات جاهزة يمكن استخدامها لتحليل نتائج الأبحاث العلمية باستخدام نماذج تعلم الآلة منها منصة Kaggle وهي منصة مشهورة توفر العديد من مجموعات البيانات المفتوحة في مجالات متعددة مثل التكنولوجيا، الصحة، العلوم الاجتماعية، وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، توفر Kaggle بيئة لتطبيق نماذج تعلم الآلة ومشاركة الأكواد والنتائج مع المجتمع. رابط المنصة: [Kaggle]
مثال لتحليل البيانات باستخدام تعلم الآلة في الأبحاث العلمية
اكتشاف الهجمات السيبرانية: تعتبر الهجمات السيبرانية تهديدًا كبيرًا للأنظمة والشبكات الحاسوبية. يمكن استخدام نماذج تعلم الآلة لتحليل حركة المرور الشبكية (network traffic) واكتشاف الأنماط غير الطبيعية التي قد تشير إلى وجود هجمات سيبرانية.
الخطوات:
جمع البيانات: نحصل على بيانات حركة المرور الشبكية من مصادر موثوقة مثل الشبكات المؤسسية أو قواعد البيانات العامة للهجمات السيبرانية (مثل قاعدة بيانات KDD Cup 99).
معالجة البيانات: تنظيف البيانات للتأكد من عدم وجود بيانات مفقودة أو غير صحيحة ثم تحويل البيانات إلى تنسيق يمكن لنموذج تعلم الآلة التعامل معه، مثل تحويل النصوص إلى أرقام (feature encoding) وتطبيع القيم.
تقسيم البيانات: نقسم البيانات إلى مجموعتين: مجموعة تدريب (training set) ومجموعة اختبار (test set). عادةً ما تكون نسبة التقسيم 70% للتدريب و30% للاختبار.
اختيار نموذج تعلم الآلة: نختار نموذج تعلم الآلة المناسب، مثل SVM (Support Vector Machine) أو الغابة العشوائية (Random Forest) أو الشبكة العصبية العميقة (Deep Neural Network).
تدريب النموذج: نستخدم مجموعة التدريب لتعليم النموذج كيفية التمييز بين حركة المرور الشبكية العادية والهجمات السيبرانية بناءً على الخصائص المستخرجة من البيانات.
تقييم النموذج: نختبر النموذج باستخدام مجموعة الاختبار لتقييم دقته في اكتشاف الهجمات السيبرانية. نستخدم مقاييس مثل الدقة (accuracy) والاستدعاء (recall) والدقة الإيجابية (precision) ومنحنى ROC لتقييم الأداء.
تحليل النتائج: نفحص الأنماط التي اكتشفها النموذج في حركة المرور الشبكية. يمكننا تحديد أنواع الهجمات الشائعة والخصائص التي تميزها.
تطبيقات عملية
مراقبة الشبكات: يمكن استخدام النموذج المدرب لمراقبة الشبكات المؤسسية واكتشاف الأنشطة غير الطبيعية في الوقت الحقيقي.
تحليل السجلات: يمكن تحليل سجلات النظام للكشف عن الهجمات التي قد تكون مرت دون أن يتم اكتشافها في الوقت الفعلي.
تعزيز الأمان: يمكن استخدام النتائج لتعزيز السياسات الأمنية وتحسين استراتيجيات الدفاع ضد الهجمات السيبرانية.
تحليل البيانات باستخدام الشبكات العصبية (Neural Networks)
من المنصات التي تخدم هذا الهدف منصة TensorFlow وهي مكتبة مفتوحة المصدر طورتها Google، وتعتبر من الأدوات الأكثر استخدامًا لبناء وتدريب نماذج الشبكات العصبية. توفر بيئة قوية لتطوير النماذج العميقة وتعلم الالة. TensorFlow لديها مجموعة متنوعة من الأدوات لتطوير الشبكات العصبية، بما في ذلك الأدوات التي تدعم التدريب على بيانات كبيرة. رابط المنصة: [TensorFlow]
مثال على تحليل البيانات باستخدام الشبكات العصبية في الأبحاث العلمية
تصنيف رسائل البريد الإلكتروني إلى "عادي" و"مزعج" (Spam): رسائل البريد الإلكتروني المزعجة (Spam) تمثل مشكلة كبيرة، حيث يمكن أن تكون مزعجة وتحتوي على فيروسات أو محاولات تصيد. يمكن استخدام الشبكات العصبية لتصنيف رسائل البريد الإلكتروني تلقائياً إلى عادي (Ham) أو مزعج (Spam).
الخطوات:
جمع البيانات: نحصل على مجموعة من رسائل البريد الإلكتروني المصنفة مسبقًا إلى "عادي" و"مزعج". يمكن استخدام مجموعات بيانات عامة مثل مجموعة بيانات SpamAssassin.
معالجة البيانات: تنظيف البيانات بإزالة النصوص غير الضرورية وتحويل النصوص إلى شكل يمكن للشبكة العصبية التعامل معه. يشمل ذلك: (تجزئة النصوص بمعنى تقسيم النصوص إلى كلمات أو رموز ت - تحويل النصوص إلى أرقام باستخدام تقنيات مثل التضمين (Embedding) أو أكياس الكلمات (Bag of Words) أو تردد-عكسي لتردد الوثيقة (TF-IDF).
تقسيم البيانات: تقسيم البيانات إلى مجموعتي تدريب واختبار. يمكن أن تكون نسبة التقسيم 80% للتدريب و20% للاختبار.
بناء الشبكة العصبية: تصميم شبكة عصبية تتكون من طبقة إدخال (input layer) وطبقات مخفية (hidden layers) وطبقة إخراج (output layer). يمكن استخدام شبكة عصبية بسيطة من نوع MLP (Multi-Layer Perceptron) أو شبكة عصبية تلافيفية (Convolutional Neural Network) إذا كانت البيانات تتطلب ذلك.
تدريب الشبكة العصبية: تدريب الشبكة باستخدام مجموعة التدريب، وضبط الأوزان من خلال تمرير البيانات خلال الشبكة عدة مرات (epochs) باستخدام خوارزمية مثل الانتشار الخلفي (Backpropagation).
تقييم النموذج: اختبار أداء النموذج باستخدام مجموعة الاختبار. يمكن استخدام مقاييس مثل الدقة (accuracy)، الاستدعاء (recall)، والدقة الإيجابية (precision) لتقييم الأداء.
تحليل النتائج: تحليل أداء الشبكة العصبية في تصنيف رسائل البريد الإلكتروني، وتحديد النقاط القوية والمجالات التي تحتاج لتحسين.
تطبيقات عملية
تصفية البريد الإلكتروني: يمكن دمج النموذج المدرب في خدمات البريد الإلكتروني لتصفية الرسائل المزعجة تلقائيًا.
تحسين الأمان: يمكن الكشف عن رسائل البريد الإلكتروني التي تحتوي على محاولات تصيد أو محتوى ضار ومنعها من الوصول إلى المستخدمين.
تخصيص التجربة: يمكن تخصيص نماذج التصفية بناءً على تفضيلات المستخدم ونمط الرسائل التي يستقبلها عادةً.
تحليل البيانات باستخدام معالجة اللغة الطبيعية (NLP)
تعتبر منصة Hugging Face منصة متخصصة في معالجة اللغة الطبيعية، وتشتهر بمكتبة `Transformers` التي تحتوي على نماذج متقدمة مثل BERT وGPT. تتيح هذه المنصة الوصول إلى مجموعة كبيرة من نماذج معالجة النصوص الجاهزة للاستخدام في العديد من التطبيقات مثل الترجمة التلقائية، تصنيف النصوص، وتوليد النصوص. رابط المنصة: [Hugging Face]
مثال على تحليل البيانات باستخدام معالجة اللغة الطبيعية (NLP) في الأبحاث العلمية
تحليل المشاعر في التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي: تحليل المشاعر هو عملية تحديد وتصنيف المشاعر التي يعبر عنها النص. يمكن استخدامه لفهم كيف يشعر الناس تجاه منتجات معينة، خدمات، أحداث، أو أي موضوع آخر من خلال تحليل التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي.
الخطوات:
جمع البيانات: نحصل على مجموعة من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي حول موضوع معين. يمكن أن تكون هذه التعليقات من تويتر، فيسبوك، أو أي منصة أخرى.
معالجة البيانات: تنظيف البيانات بإزالة النصوص غير الضرورية مثل الروابط، الوسوم (tag)، والإشارات، تحويل النصوص إلى شكل يمكن لنماذج NLP التعامل معه. يشمل ذلك: (Tokenization: تقسيم النص إلى كلمات أو رموز - إزالة الكلمات الشائعة (Stop Words): إزالة الكلمات التي لا تحمل معنى كبيراً مثل "the", "is", "and" - التضمين (Embedding): تحويل الكلمات إلى تمثيلات عددية باستخدام تقنيات مثل Word2Vec، GloVe، أو BERT).
تقسيم البيانات: تقسيم البيانات إلى مجموعتي تدريب واختبار ويمكن أن تكون نسبة التقسيم 80% للتدريب و20% للاختبار.
اختيار نموذج NLP: يمكن استخدام نموذج بسيط مثل Naive Bayes أو نموذج متقدم مثل LSTM (Long Short-Term Memory) أو BERT (Bidirectional Encoder Representations from Transformers).
تدريب النموذج: تدريب النموذج باستخدام مجموعة التدريب على تصنيف المشاعر إلى فئات مثل "إيجابي"، "سلبي"، أو "محايد". يمكن استخدام بيانات مشروحة مسبقاً (Labelled Data) حيث تكون كل تعليق مصنف مسبقاً إلى فئة معينة.
تقييم النموذج: اختبار أداء النموذج باستخدام مجموعة الاختبار. يمكن استخدام مقاييس مثل الدقة (accuracy)، الاستدعاء (recall)، والدقة الإيجابية (precision) لتقييم الأداء.
تحليل النتائج: تحليل نتائج النموذج لفهم الأنماط المشتركة في التعليقات الإيجابية والسلبية، يمكن استخراج معلومات إضافية مثل المواضيع الشائعة التي تثير مشاعر معينة.
تطبيقات عملية
تحليل آراء العملاء: يمكن استخدام النموذج لتحليل مراجعات المنتجات على مواقع التجارة الإلكترونية لفهم مدى رضا العملاء.
إدارة السمعة الرقمية للمؤسسة: يمكن رصد التعليقات السلبية على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فوري والتعامل معها بفعالية.
تحسين الخدمات: تحليل المشاعر يمكن أن يساعد في تحديد النقاط التي تحتاج إلى تحسين في الخدمات المقدمة.
تحليل البيانات باستخدام رؤية الحاسوب (Computer Vision)
تعتبر منصة OpenCV (Open Source Computer Vision Library) مكتبة مفتوحة المصدر تستخدم على نطاق واسع في رؤية الحاسوب ومعالجة الصور والفيديو. تدعم العديد من اللغات مثل Python وC++ وتوفر أدوات متقدمة للتعرف على الصور، كشف الأجسام، والتصنيف. رابط المنصة: [OpenCV]
مثال على تحليل البيانات باستخدام رؤية الحاسوب (Computer Vision) في أبحاث تكنولوجيا المعلومات
التعرف على الأشياء في الصور (Object Detection): التعرف على الأشياء هو عملية تحديد وتسمية الكائنات في الصور أو الفيديوهات. يمكن استخدامه في تطبيقات مثل السيارات الذاتية القيادة، الأمان، والتحليلات التجارية.
الخطوات:
جمع البيانات: نحصل على مجموعة من الصور المصنفة مسبقاً والتي تحتوي على كائنات معينة. يمكن استخدام مجموعات بيانات معروفة مثل COCO (Common Objects in Context) أو Pascal VOC.
معالجة البيانات: تنظيف البيانات إذا لزم الأمر والتأكد من أنها في تنسيق يمكن للنموذج التعامل معه. إذا كانت الصور بحاجة إلى تحجيم أو تحويل إلى درجات رمادية، يمكن القيام بذلك في هذه المرحلة.
تقسيم البيانات: تقسيم البيانات إلى مجموعتي تدريب واختبار. يمكن أن تكون نسبة التقسيم 80% للتدريب و20% للاختبار.
اختيار نموذج رؤية الحاسوب: يمكن استخدام نماذج متقدمة مثل YOLO (You Only Look Once)، SSD (Single Shot MultiBox Detector)، أو Faster R-CNN (Region-based Convolutional Neural Network).
تدريب النموذج: تدريب النموذج باستخدام مجموعة التدريب. هذه العملية تشمل ضبط الأوزان من خلال تمرير البيانات خلال الشبكة العصبية عدة مرات (epochs). يمكن أن يتطلب التدريب عدة ساعات أو أيام حسب حجم البيانات وقوة الحوسبة المتاحة.
تقييم النموذج: اختبار أداء النموذج باستخدام مجموعة الاختبار. يمكن استخدام مقاييس مثل متوسط دقة المقطع (Mean Average Precision, mAP) لتقييم الأداء.
تحليل النتائج: تحليل أداء النموذج في التعرف على الكائنات المختلفة. يمكن تحديد النقاط القوية والمجالات التي تحتاج لتحسين.
تطبيقات عملية:
السيارات الذاتية القيادة: التعرف على الأشياء في محيط السيارة للمساعدة في القيادة الذاتية وتجنب الحوادث.
الأمان والمراقبة: التعرف على الأشخاص أو الأشياء المشبوهة في الفيديوهات الأمنية.
التجارة الإلكترونية: تحسين تجارب التسوق عبر الإنترنت من خلال التعرف على المنتجات في الصور.
الخلاصة
تحليل البيانات يلعب دورًا حاسمًا في تفسير نتائج الأبحاث العلمية لأنه يمكن الباحثين من استخراج الأنماط والعلاقات الخفية في البيانات التي قد لا تكون واضحة من خلال الملاحظة المباشرة. من خلال تحليل البيانات، يمكن تحديد اتجاهات معينة تساعد في تفسير الظواهر المرتبطة بالبحث. كما يساهم التحليل في التأكد من صحة الفرضيات البحثية. عبر استخدام التحليل الإحصائي، يتمكن الباحث من اختبار فرضياته والتحقق من صحتها أو خطئها بناءً على الأدلة المستخلصة من البيانات التي تم جمعها. هذا يساعد في تحسين مصداقية النتائج والبحث العلمي. إلى جانب ذلك، يساهم التحليل في تحسين دقة النتائج من خلال تقليل التحيز وضمان موضوعية النتائج.
أحد الأدوار الأساسية لتحليل البيانات هو تقديم تفسيرات علمية للظواهر المعقدة. فبفضل الأدلة الكمية والنوعية، يمكن للباحثين تقديم استنتاجات مدروسة تدعمها البيانات بشكل موثوق. وأخيرًا، يتيح تحليل البيانات للباحثين الكشف عن الأخطاء أو التشوهات التي قد تؤثر على دقة النتائج. من خلال مراجعة البيانات بعمق، يمكن تصحيح أي مشاكل قد تنشأ خلال جمع البيانات أو تحليلها، مما يحسن من جودة الدراسة العلمية.
دكتورة أروى يحيى الأرياني
أستاذ مشارك - تكنولوجيا المعلومات
باحث ومستشار أكاديمي
" لتسجيل متابعة، حتى يصلك الجديد من المدونة الأكاديمية أضغط هنا Dr. Arwa Aleryani-Blog".
Comments