top of page
Search
Writer's pictureDr. Arwa Aleryani

العالم الافتراضي بين المعقول والخيال


العمل من البيت قبل كورونا

أداء العمل من البيت وضع معروف -من قبل- وباء كورونا، وقد يكون من طبيعة وسياسة المؤسسة إعطاء يوما لكل موظف للعمل من البيت لأسباب مختلفة .وكذلك بالنسبة للدراسة حيث قد عرفت الدراسة في البيوت وسميت "دراسة المنازل" واتجه لها بعض الطلاب لظروف مختلفة. ونفس الشيء بالنسبة للدراسة في الجامعة وسميت "انتساب "وهي في الغالب للتخصصات النظرية ووجدت أيضا بشكل استثنائي في بعض التخصصات العملية. وهذا الوضع مازال قائما حتى الآن وبدون استخدام التكنولوجيا الحديثة. ولكن مع تطور التكنولوجيا أخذت هذه الحالات تُؤدى بطرق أفضل واستمرت الدراسة من البيت لطلبة المدارس والجامعات لأسباب مختلفة كالأسباب السابقة، والأسباب الجديدة –حاليا- (وباء كورونا) وكذلك أيضا تأدية العمل وان صار أكثر التصاقا بما يتم في الواقع من خلال ربط الأشخاص مع الجهات عبر التكنولوجيا.

العمل من البيت أثناء كورونا

في الماضي كان الوضع طبيعيا تقريبا وفي الأغلب –اختياريا- حيث بقيت الحياة الاجتماعية قائمة ولا وجود للانغلاق وفكرة التباعد.ومع انتشار وباء كورونا بدا الوضع مختلفا ، فالكل اتجه إجباريا وبشكل مكثف للحجر الصحي داخل البيوت .وبعد وقت قصير تنبه العالم لضرورة استمرار الحياة فبدأ الكثير من البشر مزاولة دراستهم المدرسية والجامعية من البيت ،وٌطلب من كثير من الموظفين العودة للعمل من البيت أيضا. وقد أنتجت هذه الحالة تحديات كبيرة فكل من في البيت يريد مكان مخصص له لمزاولة دراسته أو عمله، ولكن الجميع استطاع التكيف باعتبار الحالة مؤقتة وكون القلق العام كان مركز على الناحية الصحية وضرورة التزام العزلة الدائمة في البيت.

ماذا سيحدث بعد كورونا

السيناريو الذي يتحدث عنه أغلب الباحثين والقريبين من صنع القرار أن ما بعد كورونا قد يكون عالم يدار من البيوت. فلنتخيل امكانية تطبيق هذا السيناريو على الأفراد ومن ثم انعكاسه على الدولة، وسنقتصر على تخيل هذا السيناريو على قطاع الموظفين الإداريين والطلاب وسنترك – مبدئيا- أصحاب المهن الذين تتطلب مهنهم التفاعل المباشر منهم عند أدائها . وقبل أن نتخيل هذا الوضع دعونا نتفق بشكل قاطع أن الهدف هو تخفيف أو منع تجمع البشر في مكان واحد.

بالطبع هذا مجرد تصور ومحاولة تخيل إمكانية تطبيق هذا السيناريو ولكن كما نعلم فأن أغلب الدول قد بدأت بالعودة للحياة الطبيعية.

الافراد بعد كورونا

ماذا يحتاج الطالب للدراسة والمذاكرة ؟ لاشك يحتاج إلى جهاز حاسوب شخصي واتصال مع الانترنت إلى جانب مكان مخصص له في البيت بحيث لا يُقاطع ولا يُشتت انتباهه، وستكون هذه هي نفس مطالب الأب الموظف وكذلك الأم إذا كانت أيضا تعمل. أما إذا كان أحد كبار الأبناء يعمل أيضا فكيف سيكون الوضع ؟! كيف يمكن تقسيم البيت إلى مكتب أو أكثر للعمل، ومكتب أو أكثر للأبناء للدراسة؟! إلى جانب الاحتفاظ بغرفة الجلوس وغرفة الاستقبال وغيرها. هل سيتجه البشر لبناء منازل في المستقبل أقرب لحجرات المدارس؟

أين يمكن حجز الأطفال اثناء أوقات عمل ودراسة أهل البيت! وهم أيضا قد صاروا مقيمين دائمين في البيت بعد غلق دور رعاية الأطفال، كيف يمكن إتاحة الفرصة لهم للعب الحركي ومشاركة الأصدقاء في ألعابهم.

ماذا عن طبيعة الحياة التي سارت عليها البشرية وتعودت عليها بشكل كبير؟ كيف يمكن لرب البيت أو ربة البيت قضاء أوقاتهما أثناء ساعات العمل دون أن يُقاطعا بمسئوليات البيت؟ ماذا عن الطلاب؟ كيف يمكن التحكم بالشخصيات المختلفة كالشخصيات التي يمكن لها الانغماس الزائد (الإدمان) في العمل أو الدراسة والشخصيات المحتمل إصابتها بالاكتئاب بسبب عدم وجود فاصل انتهاء المحاضرة أو الدوام؟ وكيف ستُواجه مشاكل التكاسل والتسويف؟ كيف سيتم إدارة وتنسيق الوقت بين العمل والمدرسة عند تخصيص أوقات للراحة وجميعهم في نفس المكان؟.

ماذا عن اجتماعات العمل وكيف يمكن أن تتم بشكل مناسب؟ والتي قد بدأت بالفعل باستخدام برامج مثل زووم والذي لم يتجاهل خصوصيات البيوت والافراد فوفر فرصة تغيير الخلفية لصور معدة سابقا بهدف حجب خصوصية البيوت، كما يمكن أيضا إخفاء صورة الشخص أو إظهارها بحسب رغبة الأشخاص واختيارهم.

وإذا اختفت المشاركات الاجتماعية فمما لا شك فيه أن حركة المواصلات العامة ستقل ولن يكون لها داعي فلا رحلات العمل موجودة ولا الحركة للمدارس والجامعات باقية.

فلنتخيل أن بعض الدول استطاعت إلزام موطنيها بالعمل والدراسة من البيت واستطاعت الحفاظ على التباعد المطلوب بشكل جيد. فكيف سيكون الوضع في مناسبات الزواج والعزاء والزيارات العائلية ولقاءات الاصدقاء

؟ وماذا عن دور العبادة؟ وهل سيتقلص ارتيادها والاكتفاء بالصلاة في البيوت؟ وماذا عن مختلف المناسبات الاجتماعية والرياضية؟ وهي بالطبع تتكون من تجمعات أكثر من تجمعات موظفي مؤسسة أو تجمع طلاب مدرسة أو جامعة. وهل ستُلغى الأنشطة والمسابقات الرياضية والثقافية والعلمية؟ أم ستدار من دون جمهور؟

ومع اعتبار النقود الورقية مصدر نقل للوباء، فهل ستختفي ويصبح التعامل عن طريق البطاقات فقط؟ وهو الحال في أغلب دول العالم المتقدم وليس تعاملا جديدا بالنسبة لهم على أي حال.

ماذا عن السياحة هل ستبدأ السياحة الافتراضية؟ وهي من أكبر التنقلات البشرية بين بقاع العالم. ممالا شك فيه أن السياحة في العالم الافتراضي ستتحول إلى سياحة افتراضية مع تدعيم أكثر للتطبيقات وبتفاعل متعدد الأبعاد، والتي قد بدأت على أي حال، ومن هنا ستقل حركة الطيارات إلى درجة كبيرة كما حدث أثناء كورونا وقد تتحول الرحلات الجوية إلى رحلات وفقا للطلب وعلى طائرات أصغر حجما. وماذا أيضا! هل يمكن أن تغلق المطاعم وتتحول الطلبات عبر التطبيقات وعن طريق خدمة التوصيل؟ هل سيحول الرسم إلى فن على الأجهزة؟ وهو ما قد بدأ بالفعل ويمكن له أن يتطور ...وماذا عن مشاهدة الأفلام في دور السينما المنتشرة في كل بقاع العالم؟ والتي أيضا قد تحولت بدرجة كبيرة إلى مشاهدة من البيوت. ولكن كيف سيتم مواصلة التمثيل واعداد الأفلام في ظل التباعد؟ وعازفي الموسيقى؟ أين سيعزفون ولمن؟ هل أيضا من خلف الشاشات ولجمهور افتراضي؟ وارتياد المكتبات؟ هل ستتحول المكتبات كلها إلى مكتبات افتراضية؟ وتغلق أبواب المكتبات الموجودة؟... وغيرها ...إن العالم الافتراضي موجود- فعلا- بدرجة معينة وبشكل اختياري تسهيلا للحياة، ولكن لن يكون مرغوبا إذا تحول إلى ضرورة ووسيلة وحيدة للحياة واختفت كل معالم الحياة الطبيعية والترفيه وضجة النشاط البشري.

دولة ما بعد كورونا

عملاً بالمثل "إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع". فعندما تأمر الدولة موظفيها وطلابها الذهاب إلى البيت وتطلب منهم مزاوله مهامهم فأن عليها توفير المتطلبات لإنجاز ذلك. وكذلك الأمر بالنسبة للمواطنين بشكل عام إذ عليها توفير متطلبات مزاولتهم لكافة أنشطتهم.

في أغلب دول العالم صارت المعاملات اليومية تتم عن طريق الانترنت وأحيانا تتم تلقائيا من الحساب بالبنك مباشرة، ولا شك أن هذا التطور قد أفاد الجميع، فلا أحد يفضل الوقوف في طوابير المعاملات الطويلة لذا فقد تم تقليص تواجد الناس في المرافق الخدمية بشكل واسع. بينما كثير من الدول قد تخلفت عن تحقيق ذلك، فكيف ستستطيع هذه الدول الآن وفي ظل هذه الظروف إرسال موظفيها للعمل من البيت في الوقت الذي لم تتوفر التجهيزات لإنجاز هذه المعاملات وخدمة العملاء عن بعد.

إن التهيئة للبيئة الجديدة تحتاج الى مجهود جبار وإمكانيات مالية كبيرة من الدولة لتأسيس هذه البنية التحتية. خاصة تلك الدول التي لم تضع اللبنات الأولى لهذه المعاملات بعد. ماذا عن مجتمعات تعيش متلاصقة بشكل كثيف هل ستدار افتراضيا؟ هل ستمتلك كل دول العالم هذه الإمكانيات؟

هل سيتكون عالمان؟

أم سينقسم العالم إلى عالم افتراضي وعالم تقليدي؟ عالمان مستقلان عن بعضهما فيخشى الافتراضي من أي تعامل حقيقي مع العالم التقليدي وقد لا يرغب العالم التقليدي بأي تعامل مع العالم الافتراضي. وهل سيفرض البشر إرادتهم لحياة طبيعية يتحكموا فيها بكل تطورات التكنولوجيا ويسخروها لصالحهم وتسهيل حياتهم وتخفيف عبء العمل الروتيني؟ أم سينقادون للقادم؟ هل العالم الافتراضي هل هو ضرورة ام رفاهية؟


دكتورة أروى الأرياني

أستاذ مشارك - تكنولوجيا المعلومات

باحث مستقل

19 views0 comments

Comments


bottom of page