التفكير النقدي والتحليلي Critical and Analytical Thinking هو التفكير الموضوعيّ للحقائق لصياغة حُكم معين، يتم اتخاذه بحرص ودقة. للتفكير النقدي عدة تعريفات تتفق جميعها في أنه تحليل عقلاني شكوكيّ غير متحيز، أو هو تقييم للأدلة والحقائق والمقدرة على التحقق من الافتراضات، الأفكار، هل هي حقيقية، أو تحمل جزء من الحقيقة، أو أنها غير حقيقية. وقد يتم تعريفه أنه تفكير تأملي معقول يركز على ما يعتقد به الفرد أو يقوم بأدائه، بغرض فحص وتقويم الحلول المعروضة من أجل إصدار حكم حول قيمة الشيء. وكخلاصة لهذه التعريفات يمكن القول أنه عملية موجهة ومنظّمة ومتابَعة ذاتية تصحح نفسها بنفسها، فهو يفترض التوافق بشأن معايير معينة والاستخدام اليقظ لها، كما يتضمن التواصل الفعال والقدرة على حل المشكلات، والالتزام بالتغلب على الأنانيّة الفطريّة والأعراف المجتمعية والرأي الشخصي.
أهمية التفكير التحليلي النقدي
يُعتبر التفكير النقديّ مهمًا في المجالات الأكاديميّة وفي كل صناعة على كل مستوى مهني، أبتدأ من مستوى المبتدئين إلى مستوى كبار المديرين التنفيذيين. وتشمل كفاءة التفكير؛ المعرفة والمهارات والعمليات التي نربطها بالتنمية الفكرية. تتطلب تلك الكفاءة مهارات تفكير محددة بالإضافة إلى عادات ذهنية ووعي ما وراء المعرفة. تُستخدم هذه لمعالجة المعلومات من مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك الأفكار والمشاعر التي تنشأ من العقل الباطن والعقل اللاواعي ومن الإدراك المتجسد لخلق مفاهيم جديدة.
مهارة التفكير النقديّ مهمًا في المجالات الأكاديميّة والأبحاث العلمية لأنه يتيح للباحث أن يحلل ويقيّم ويشرح ويرمم التفكير، وبالتالي يقلل من احتماليّة تبني معتقد زائف. لا يمنع اشتغال الشخص بالتفكير النقديّ ومعرفة قواعد الاستدلال والتساؤل المنطقيّ أن يقع في الأخطاء، ذلك لأن هناك بعض المؤثرات التي تدفع للأخطاء مثل الأنانيّة والتحيزات وخداع الذات والمعلومات المضللة إلى جانب الاستعجال في الوصل للتفسير أو التحليل.
يحتاج الباحث العلمي لمهارة التفكير النقدي من أول خطوة من خطوات إجراء البحث إلى الوصول للنتائج ومناقشتها، وهو بذلك يبدأ بقراءة واسعة لمجال اهتمامه أو مجال الفكرة البحثية ولا يمكن ان تكون هذه القراءات ناجحة ومثمرة إذا لم يتم قراءة كل مصدر (مرجع) بشكل نقدي تحليلي، يتم تحديد جوهر الدراسة وتحليلها بشكل نقدي لتوضيح إنجازات هذه الدراسة إلى جانب القصور أو الأخطاء ان وجدت. يقوم الباحث بعد قراءة الدراسات السابقة ونقدها وتحليلها، باتباع المنهجية اللازمة لغرض التوصل لهدف البحث الخاص به، ومن خلال هذه المنهجية عليه عرض النتائج بأسلوب علمي تحليلي نقدي يوضح جوانب الإنجاز الذي توصل إليه البحث ويسرد بشكل موجز دقيق جوانب النقص التي قد تستلزم دراسة جديدة لتغطيتها.
كما ان استخدام التفكير النقدي في كافة المستويات المهنية يؤدي إلى تحسين قضايا مثل عدم كفاءة العملية أو الإدارة أو الشؤون المالية، يُقدر أصحاب العمل ويبحثون عن المرشحين الذين يظهرون مهارات التفكير النقدي القوية ويستخدمون التفكير بالمنطق العقلاني والقدرة على تحليل المواقف والمشكلات بشكل جيد وربط المعطيات بعضها ببعض بشكل متسلسل لإيصال فكرة معينة أو التوصل لحل معين.
أساليب التفكير الناقد التحليلي
الملاحظة: مهارات الملاحظة هي نقطة البداية للتفكير النقدي، أولئك المهرة في الملاحظة قادرون أيضًا على فهم سبب وجود مشكلة ما. يمكن للأشخاص الملتزمين الإحساس بالمشكلة المستجدة وتحديدها بسرعة. حتى أنهم قد يكونون قادرين على التنبؤ بموعد حدوث المشكلة قبل حدوثها بناءً على تجاربهم وخبراتهم، وذلك لان تفكيرهم ناقد محدد لا يضيعون وسط التفاصيل غير المفيدة، وقادر على ربط الأحداث لمعرفة ما قد تظهر من نتائج.
لذا عليك تحسين مهاراتك في الملاحظة عن طريق إبطاء وتيرة معالجة المعلومات وتدريب نفسك على إيلاء اهتمام أكبر لما يحيط بك. يمكنك أيضا ممارسة تقنيات اليقظة أو تدوين اليوميات أو الاستماع النشط أثناء العمل وخارجه لفحص ما تسمعه أو تراه بدقة. بعد ذلك، ضع في اعتبارك ما إذا كنت قد لاحظت اتجاهات في السلوك أو المعاملات أو البيانات التي قد تكون مفيدة لك أو لفريقك للتعامل معها.
التحليلات: بمجرد تحديد المشكلة، تصبح المهارات التحليلية ضرورية. تتضمن مهارات تحليل دراسة الموقف وتقييمه بشكل فعال، كذلك معرفة الحقائق أو البيانات أو المعلومات المهمة حول المشكلة.، وتتضمن أيضا -في كثير من الأحيان- بحث غير متحيُز، وطرح أسئلة ذات صلة حول البيانات للتأكد من دقتها وتقييم النتائج بموضوعية.
وحتى تحسِن مهاراتك التحليلية يجب عليك اكتساب خبرات جديدة ومتنوعة تكون لك بمثابة المخزون الذي يعطي لك علامات أو إشارات تقودك بالاتجاه الصحيح . يمكن لك أن تقرأ كتابًا عن مفهوم لست معتادًا عليه أو تأخذ فصلًا للرياضيات عبر الإنترنت لدفع نفسك إلى التفكير بطرق وأفكار جديدة. وهذا يمكنك من بناء المهارات اللازمة لتفسير المعلومات الجديدة واتخاذ قرارات عقلانية بناءً على تحليل سليم.
الاستنباط: الاستنباط والاستدلال هو مهارة تتضمن استخلاص استنتاجات حول المعلومات التي تجميعها وقد تتطلب منك امتلاك معرفة أو خبرة تقنية أو خاصة بالصناعة. عندما تقوم بالاستدلال، فهذا يعني أنك تطور إجابات بناءً على معلومات محدودة. يعتمد الاستنباط على تطوير الأسئلة وتنقيحها – لماذا حدث هذا؟ هل هناك عوامل أخرى أثرت على النتيجة؟ هل يمكن تغير هذه النتيجة؟... الخ؛
يمكن لك تحسين مهاراتك في الاستدلال من خلال التركيز على إجراء تخمينات مستنيرة بدلاً من استخلاص النتائج بسرعة؛ يتطلب هذا التباطؤ للبحث بعناية عن أكبر عدد ممكن من القرائن ومراعاتها - مثل الصور أو البيانات أو التقارير - التي قد تساعدك في تقييم الموضوع.
التواصل: مهارات التواصل مهمة عندما يحين الوقت لشرح ومناقشة القضايا والحلول الممكنة مع الزملاء وأصحاب المصلحة الآخرين. التواصل الجيد يوصل الأفكار بشكل واضح، لذا عليك تحسين مهارات الاتصال لديك في سياق التفكير النقدي من خلال الانخراط في مناقشات صعبة، فمثلا في المواقف التي قد تختلف فيها أنت ومشارك آخر حول الموضوع، عليك الانصات بعقل حاضر وتجنُب أي نوع من أنواع التحيزات.
حافظ على عادات تواصل جيدة، مثل الاستماع الفعال والانصات لآراء الأخرين لفهم وجهات النظر الأخرى حتى تكون قادرًا على شرح أفكارك بطريقة هادئة وعقلانية ومنطقية، وتذكر ان الرجوع عن رأي أثبت عدم صحته مهم لتنمية تفكيرك العلمي.
حل المشكلة: بعد تحديد المشكلة وتحليلها واختيار الحل، فإن الخطوة الأخيرة هي تنفيذ الحل. غالبًا ما يتطلب حل المشكلة تفكيرًا نقديًا لتنفيذ أفضل حل مع فهم ما إذا كان الحل يعمل أم لا من حيث صلته بالهدف.
ولذلك عليك تقوية مهاراتك في حل المشكلات من خلال تحديد أهداف لاكتساب والعمل على تحقيقها لتكتسب المزيد من المعرفة مجال عملك. عادةً ما يصبح حل المشكلات في العمل أسهل إذا كان لديك فهم قوي للمعلومات الخاصة بمجال عملك. قد يكون من المفيد أيضًا ملاحظة كيف يحل الآخرون المشاكل التي تصادفهم وفهم التقنيات التي استخدموها.
من الفجوة العلمية يمكن بلورة الفكرة البحثية
لا يمكن دراسة الأبحاث السابقة في مجال البحث العلمي والاستفادة منها إلا من خلال قراءتها قراءة تحليلية نقدية بشكل متأن، منطقي، وحذر - بعد القراءة الأولى السريعة للدراسة للتأكد من ارتباطها بالموضوع- وبعدها يطرح الباحث على نفسه الأسئلة التالية؛ بغرض فهم أفضل للدراسة ومحاولة إيجاد ثغرة أو فجوة يمكن منها بلورة فكرة علمية قد تكون إضافة علمية جديدة:
ما هو هدف هذه الدراسة؟ لماذا يعتبر مهم؟ ما علاقته بالدراسة التي يرغب بها الباحث؟
أين تكمن أهمية الدراسة؟ من تخدم هذه النتائج (من المستفيد)؟
ما هي النتيجة التي توصل لها الباحث في هذه الدراسة؟ هل هناك دلائل على التحيُز في النتيجة؟
كيف توصل لها؟ ما هي المنهجية المستخدمة؟ هل المنهجية صحيحة؟ هل المنهجية مناسبة؟
من اين تم جمع المعلومات اللازمة للدراسة؟ هل تم جمع معلومات وافية؟ هل كان هناك تحيُز في جمع البيانات؟
هل يمكن تعميم النتائج على عينات أو مجتمعات أخرى؟
هل النتيجة خدمت الهدف من الدراسة؟
هل هناك أبحاث أيدت هذه النتيجة؟ كيف؟
هل هناك أبحاث خالفت هذه النتيجة؟ كيف؟ ولماذا؟
ما هي أوجه قصور البحث؟ هل يمكن العمل على تغطيتها؟
اكتساب مهارات التفكير النقدي التحليلي
على الباحث العلمي امتلاك واكتساب مهارة التفكير الناقد التحليلي؛ والتزام الموضوعية وعدم التحيُز والذي يعتبر جزء أساسي من التفكير النقدي؛ وهذا يعني تحليل المشكلة دون السماح للتحيز الشخصي أو العواطف أو الافتراضات بالتأثير على طريقة التفكير. فالمفكر النقدي القوي لن يقوم بتحليل المشكلة إلا بناءً على السياق والحقائق التي تم جمعها بعد إجراء بحث شامل وحيادي.
هناك مجموعة من الصفات التي تساعد الباحث على انتهاج التفكير النقدي التحليلي، وهي صفات قد تتوجد لدى الباحث من خلال تنشئته في أسرته او من خلال المجتمع المحيط به (المدرسة، الجامعة، الأصدقاء،..)، ولكن هناك مهارات يكتسبها الباحث من خلال تطوير ذاته وصقل مهاراته وتهذيبها والابتعاد عن التحيُز أو التسرع أو الاخلال بالأمانة العلمية. ومع ممارسة البحث العلمي والحرص على جودة البحث وصدق نتائج هذه الأبحاث يمكن اكتساب الكثير من هذه المهارات، مثل:
التفكير العقلاني وعدم التهور أو الاستعجال بالوصول للنتائج.
التفكير المنفتح، والخبرات المتنوعة التي تمكن الناقد من استنتاج واقتناص الحقائق.
القدرة على استخدام منهجيات منطقية لفهم الحقائق والتعمق بالمعرفة من اجل فهم شامل.
الالتزام بالجانب الحيادي في الموضوع، وعدم ترك التحكم بالرأي للمشاعر.
المقدرة على جمع البيانات اللازمة والحرص على دقة المصادر.
المقدرة على نقد وتحليل المصادر واستخلاص الحقائق منها.
القدرة على طرح الأسئلة المناسبة والمتسلسلة واستخلاص الحقيقة من الأجوبة.
حب الاستكشاف والفضول العلمي وهو نوع من أنواع التشكك بهدف معرفة الحقائق عن جوانب الموضوع.
القدرة على النظر للموضوع من عدة جهات وأخذ وجهات نظر من لهم علاقة بالموضوع.
القدرة على الاستماع والانصات الايجابي، التحري، الدقة، وعدم أخذ أي معلومات دون التأكد من صحتها.
توظيف الأدوات والطرق المناسبة لتحليل المعلومات والحصول على الحقيقة.
البعد عن السذاجة والسطحية ولا عدم تصديق كل ما يقال أو يقرأ.
استخدام المنطق في تحليل الموضوع.
عدم التمسك بالرأي والاعتراف بالخطاء واحترام أراء الأخرين.
القدرة على توظيف التكنولوجيا المساعدة في جمع البيانات وتحليلها.
الخلاصة
التفكير النقدي التحليلي هو تفكير يؤدي بثماره في كافة المجلات العلمية والعملية والحياتية، لأنه التفكير الذي يبعد عن التحيُز ويهدف لمعرفة الحقائق وصقل المعرفة. يهتم التفكير النقدي التحليلي بجوهر الموضوع وليس الجهة أو المؤلف أو الباحث في هذه الموضوعات. ان انتقاد موضوعا ما أو دراسا ما أو عملا ما، لا يهدف لإيجاد نواقص أو عيوب هذه المواضيع بهدف التشهير والهدم، ولكن يهدف لمعرفة جوانب هذه الموضوعات وتحديد نقاط القوة ونقاط الضعف بهدف التحسين والتطوير. يستفيد الباحث العلمي من اكتساب مهارة التفكير النقدي التحليلي بالتوصل لرؤية صادقة واضحة للمواضيع العلمية وبذلك تتضح لديه المسارات التي تحتاج لمزيد من الدراسات أما بهدف التحسين أو بهدف تغطية ثغرات اتضحت في هذه الدراسة أو تلك وهو/هي بذلك يقدم إضافة علمية للمجتمع والعلم.
دكتورة أروى يحيى الإرياني
أستاذ مشارك - تكنولوجيا المعلومات
باحث ومستشار أكاديمي
أضغط هنا "Dr. Arwa Aleryani-Blog " لتسجيل متابعة، حتى يصلك الجديد من المدونة الأكاديمية.
Comments